فصل: استيلاء جلال الدولة على البصرة ثانيا وانتزاعها منه.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.استيلاء جلال الدولة على البصرة ثانيا وانتزاعها منه.

لما استولى جلال الدولة على واسط نزل بها ولده وبعث وزيره أبا علي بن ماكولا إلى البطائح فملكها ثم بعثه إلى البصرة وبها أبو منصور بختيار بن علي من قبل أبي كاليجار فسار في السفن وعليهم أبو عبد الله الشرابي صاحب البطيحة فلقى بختيار وهزمه ثم سار الوزير أبو على في أثره في السفن فهزمه بختيار وسيق إليه أسيرا فأكرمه وبعثه إلى أبي كاليجار فأقام عنده وقتله غلمانه خوفا منه لقبيح منهم اطلع عليه وكان قد أحدث في ولايته رسوما جائرة ومكوسا فاضحة ولما أصيب الوزير أبو علي بعث جلال الدولة من كان عنده من جند البصرة فقاتلوا عسكر أبي كاليجار وهزموهم وملكوا البصرة ونجا من كان بها إلى أبي منصور بختيار بالأبلة وبعث السفن لقتال من البصرة فظفر بهم أصحاب جلال الدولة فسار بختيار بنفسه وقاتلهم وانهزم وقتل وأخذ كثير من السفهاء وعزم الأتراك بالبصرة على المسير إلى الأبلة وطلبوا المال من العامل فاختلفوا وتنازعوا وافترقوا ورجع صاحب البطيحة واستأمن آخرون إلى أبي الفرج ابن مسافجس وزير أبي كليجار وجاء إلى البصرة فملكها ثم توفي بختيار نائب الملك أبي كاليجار في البصرة وقام بعده صهره أبو القاسم بطاعة أبي كاليجار في البصرة ثم استوحش وانتقض وبعث بالطاعة لجلال الدولة وخطب له وبعث إلى ابنه العزيز بواسط يستدعيه فسار إليه وأخرج عساكر أبي كاليجار وأقام معه إلى سنة خمس وعشرين والحكم لأبي القاسم ثم أغراه الديلم به وأنه يتغلب عليهم فأخرجه العزيز وامتنع بالأبلة وحاربهم أياما وأخرج العزيز عن البصرة ولحق بواسط وعاد أبو القاسم إلى طاعة أبي كاليجار.

.وفاة القادر ونصب القائم.

ثم توفي القادر بالله سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة لإحدى وعشرين سنة وأربعة أشهر من خلافته وكانت الخلافة قبلها قد ذهب رونقها بجسارة الديلم والأتراك عليها فأعاد إليها أبهتها وجدد ناموسها وكان له في قلوب الناس هيبة ولما توفي نصب للخلافة ابنه أبو جعفر عبد الله وقد كان أبوه بايع له بالعهد في السنة قبلها لمرض طرقه وأرجف الناس بموته فبويع الآن واستقرت له الخلافة ولقب القائم بأمر الله وأول من بايعه الشريف المرتضى وبعث القاضي أبا الحسن الماوردي إلى أبي كاليجار ليأخذ عليه البيعة ويخطب له في بلاده فأجاب وبعث بالهدايا ووقعت لأول بيعته فتنة بين أهل السنة والشيعة وعظم الهرج والنهب والقتل وخربت فيها أسواق وقتل كثير من جباة المكوس وأصيب أهل الكرخ وتطرق الدعار إلى كبس المنازل ليلا وتنادى الجند بكراهية جلال الدولة وقطع خطبته ولم يجبهم القائم إلى ذلك وفرق جلال الدولة فيهم الأموال فسكنوا وقعد في بيته وأخرج دوابه من الأصطبل وأطلقها بغير سائس ولا حافظ لقلة العلف وطلب الأتراك منه أن يحملهم في كل وقت فأطلقها وكانت خمسة عشر وفقد الجاري فطرد الطواشي والحواشي والأتباع وأغلق باب داره والفتنة تتزايد إلى آخر السنة.

.وثوب الجند بجلال الدولة وخروجه من بغداد.

ثم جاء الأتراك سنة ست وعشرين إلى جلال الدولة فنهبوا داره وكتبه ودواوينه وطلبوا الوزير أبا إسحق السهيلي فهرب إلى حلة غريب بن مكين وخرج جلال الدولة إلى عكبرا وخطبوا ببغداد لأبي كاليجار وهو بالأهواز واستقدموه فأشار عليه بعض أصحابه بالامتناع فاعتذر إليهم فأعادوا لجلال الدولة وساروا إليه معتذرين وأعادوه بعد ثلاثة وأربعين يوما واستوزر أبا القاسم بن ماكولا ثم عزله واستوزر عميد الملك أبا سعيد عبد الرحيم ثم أمره بمصادرة أبي المعمر بن الحسين البساسيري فاعتقله في داره وجاء الأتراك لمنعه فضربوا الوزير ومزقوا ثيابه وأدموه وركب جلال الدولة فأطفأ الفتنة وأخذ من البساسيري ألف دينار وأطلقه واختفى الوزير ثم شغب الجند ثانيا في رمضان وأنكروا تقديم الوزير أبي القاسم من غير علمهم وأنه يرد التعرض لأموالهم فوثبوا به ونهبوا داره وأخرجوه إلى مسجد هنالك فوكلوا به فوثب العامة مع بعض القواد من أصحابه فأطلقوه وأعادوه إلى داره وذهب هو في الليل إلى الكرخ بحرمه ووزيره أبو القاسم معه واختلف الجند في أمره وأرسلوا إليه بأن يملكوا بعض أولاده الأصاغر وينحدر هو إلى واسط وهو في خلال ذلك يستميلهم حتى فرق جماعتهم وجاء الكثير إليه فأعادوه إلى داره واستخلف البساسيري في جماعة للجانب الغربي سنة خمس وعشرين لاشتداد أمر العيارين ببغداد وكثر الهرج وكفايته هو ونهضته ثم عاد أمر الخلافة والسلطنة إلى أن اضمحل وتلاشى وخرج بعض الجند إلى قرية فلقيهم أكراد وأخذوا دوابهم وجاؤا إلى بستان القائم فتعللوا على أعماله بأنهم لم يدفعوا عنهم ونهبوا ثمرة البستان وعجز جلال الدولة عن عتاب الأكراد وعقاب الجند وسخط القائم أمره وتقدم إلى القضاة والشهود والفقهاء بتعطيل المراتب الدينية فرغب جلال الدولة من الجند أن يحملهم إلى ديوان الخلافة فحملوا وأطلقوا وعظم أمر العيارين وصاروا في حماية الجند وانتشر العرب في النواحي فنهبوها وأفسدوا السابلة وبلغوا جامع المنصور من البلد وسلبوا النساء في المقبرة.
ولحق الوزير أبو سعيد وزير جلال الدولة بأبي الشوك مفارقا للوزارة ووزر بعده أبا القاسم فكثرت مطالبات الجند عليه فهرب وأخذه الجند وجاؤوا به إلى دار الملك حاسرا عاريا إلا من قميص خلق وذلك لشهرين من وزارته وعاد سعيد بن عبد الرحيم إلى الوزارة ثم ثار الجند سنة سبع وعشرين بجلال الدولة وأخرجوه من بغداد بعد أن استمهلهم ثلاثا فأبوا ورموه بالحجارة فأصابوه ومضى إلى دار المرتضى بالكرخ وسار منها إلى رافع بن الحسين بن مكن بتكريت ونهب الأتراك داره وقلعوا أبوابها ثم أصلح القائم شأنه مع الجند وأعاده وقبض على وزيره أبي سعيد ابن عبد الرحيم وهي وزارته السادسة وفي هذه السنة نهى القائم عن التعامل بالدنانير المعزية وتقدم إلى الشهود أن لا يذكروها في كتب التعامل.